الحقائق كما هي معروفة مفجعة ومثيرة للغضب، وقد ذكرت منظمة «وورلد سنترال كيتشن» (أو المطبخ المركزي العالمي) الإنسانية، التي تقوم بتوصيل الغذاء إلى غزة، أن سبعة من عمال الإغاثة التابعين لها قُتلوا في هجوم إسرائيلي في وقت متأخر من يوم الاثنين. أولئك الذين ماتوا جاؤوا من جميع أنحاء العالم، وكانوا يركزون على تقديم المساعدة لأولئك الذين يعانون. في تاريخه القصير، يبدو أن المطبخ المركزي العالمي موجود في كل مكان، حيث يوجد دمار. لقد كان في إسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر الذي شنته «حماس»، والذي قُتل ورُوِعَ فيه مدنيون إسرائيليون. وأتي إلى غزة، بينما كان السكان المدنيون على حافة المجاعة.
أصدر مسؤولون إسرائيليون بياناتٍ تحملوا فيها المسؤولية عن الهجوم المميت. وفي مقطع فيديو، وصف المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هاجاري، مهمة «المطبخ المركزي العالمي» بأنها «نبيلة»، وأشار بشكل ملطف إلى عمليات القتل على أنها «حادثة»، وقدم تعازيه لعائلات الضحايا. وأكد هاجاري للجميع أنه أعرب أيضاً عن «حزنه الصادق» للدول الحليفة، و«أننا سنصل إلى حقيقة الأمر، وسنشارك النتائج التي توصلنا إليها بشفافية»، لكن هاجاري لم يقل إنه آسف، لا هو شخصياً، ولا بصفته ممثلاً لجيش بلاده.
وأشار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى المأساة باعتبارها «حادثة»، وقال إن القوات الإسرائيلية «أصابت أشخاصاً أبرياء عن غير قصد». ولم يذكر نتنياهو «المطبخ المركزي العالمي». وقد أدلى ببيانه عبر الفيديو أثناء مغادرته المستشفى، بعد إجراء عملية فتق، وبعد طمأنة المستمعين بأنه واصل العملَ حتى من سرير المرض. ولم يعتذر نتنياهو عن الوفيات أيضاً، ولم يقل إنه آسف لمقتل هذه المجموعة المتميزة من الأبرياء بطريقة مروعة، تسببت في تقطيع أجسادهم إلى أشلاء.
ربما لا يجوز للمرء أن يعتذر عن أفعاله أثناء الحرب. إذا بدأ المرء، أين سينتهي؟ لعل هذا من شأنه أن يصور القائد على أنه ضعيف. لكن مع كل هذا الدمار والألم والخسارة، فإن فكرة أن عبارة «أنا آسف» لا تستحق أي شيء على الإطلاق قد تكون فكرة ساذجة بكل بساطة، لكن ربما تكون لها قيمة بعد فوات الأوان.
في الحرب، هناك ارتباك لا مفر منه. وهذه الحرب، مثل الحروب الأخيرة، ليس لها خط جبهة. إسرائيل قالت إن «حماس» تختبئ وسط المدنيين، في الأحياء والمستشفيات، وإن عدد القتلى غير مفهوم. إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وللمدنيين الحق في العيش، لكن هذه الحرب لم تبدأ في 7 أكتوبر، بل اشتعلت من جديد، وكانت تستعر وتندلع مراراً وتكراراً منذ أجيال. حاول رجال الدولة الحكماء والطموحين إيجاد سبل للخروج من هذا العنف. في هذا الطور من الحرب قُتل حوالي 1200 شخص في إسرائيل، وما زال أكثر من 100 رهينة في غزة. وقُتل أكثر من ثلاثين ألف شخص في غزة.
ماذا يمكن أن تفعل عبارة «أنا آسف»؟ إنها تشبه إلى حدٍ ما البذرةَ التي تُركت على الأرض المحروقة، ربما سوف تنمو إلى شيء ما. إنها علامة أخلاقية قد تساعد الشخص على إيجاد طريقة للعودة إلى إنسانيته الكاملة بعد إراقة الدماء. الانتقام، بغض النظر عن مدى صلاحيته، يمكن أن يكون له أثره.
ومع مقتل عمال الإغاثة، لم يعد هناك ضباب. وقد وصفهم نتنياهو بـ«الأبرياء»، ولم يشر إلى أنهم كانوا مزدوجين بخريطة طريقة ما، وأن المركبات التي كانوا يستقلونها تحمل علامة المطبخ المركزي العالمي، وتحمل أسطحها شارة منظمة الإغاثة. كيف حدث هذا؟ وقد وعد المسؤولون الإسرائيليون بالتحقيق حتى يحصلوا على إجابات كي يتمكنوا من بذل قصارى جهدهم للتأكد من عدم حدوث شيء مثل هذا مرة أخرى.
عند الاستماع إلى البيانات، هناك شعور بأن المتحدثين يحاولون تقديمَ شيء ذي قيمة لأولئك الذين كانوا يعرفون الضحايا، وإلى المجتمع الدولي الغاضب لمقتلهم. في خضم نطاق المعاناة غير المفهوم تقريباً، والذي ينظر إليه المسؤولون الإسرائيليون على أنه جزء من تكلفة «حرب عادلة»، تبرز هذه الوفيات السبع، لأن عملهم تم تصويره على أنه نكران للذات، وولاءاتهم فقط للرحمة والنعمة، ومهمتهم لا خلاف عليها. 
يوماً ما ستتوقف الحرب، وربما يتم الفوز بها.. وربما تعود الحرب إلى الاشتعال، ويستمر الناس في خوف وبؤس.. ليبدأ فصل جديد.
«أنا آسف».. هذه العبارة ليست هدية للأشخاص الذين تعرضوا للأذى. إنها تذكير لأولئك الذين تسببوا في المأساة بأنه ما تزال أمامهم الفرصة للشعور بالندم.. وما يزال بإمكانهم الشعور بألم شخص ما خارج دوائرهم الأكثر حميمية. يمكنهم البكاء على خسارة ليست خاصة بهم. إن الاعتذار غير المشروط هو بمثابة شريان الحياة لإنسانية الفرد في أسوأ الظروف وأصعب الأوقات.


ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنينج آند سيندكيشن»